Blog

AL ITIHAD

ماكينة صنع الحلويات يقولب ديل تورو منطق الحكاية في نسختها الأصلية للولوج إلى تعبيرات وتضمينات مغايرة وجديدة تبدأ من التضحية وفهم معنى الحياة، من خلال إدراك أهمية الموت كممر إجباري يعطي معنى للحياة، فبينوكيو ضحى بحياته في سبيل إنقاذ والده، والصرصار سيباستيان ضحى بأمنيته الوحيدة لقاء إعادة إحياء بينوكيو من الموت. إنها قصة تقدير كل ما هو بسيط في الحياة. تقدير الناس المحيطين بنا، تقدير اللحظات، تقدير السعادة التي نشعر بها مع من نحب. فلا الشهرة ولا الثروة يمكن أن تعوض اللحظات الجميلة التي يمنحنا إياها وجودنا مع من نحب. شخصيات الحكاية تسلك طريقها نحو فهم هذه المعادلة. يبدأ الفيلم بحبة صنوبر تسقط من شجرة ومن ثم تزرع في الأرض لتسقط بعد ذلك منها حبة صنوبر ممثلة بذلك دورة الحياة الأبدية: حتمية الخلق والموت. كما ويطرح ديل تورو العلاقة بين الأهل والأطفال من زاوية تقبل الأخر كما هو بصفاته وهي فكرة قد تبدو متعارضة مع أسس التربية الحديثة لناحية أن التربية قد صار لها قواعد شبه علمية (ليس بالحب وحده تستقيم التربية بل بالحب وأشياء أخرى منها القواعد والأنظمة السلوكية). لكن لغييرمو ديل تورو رأي آخر، ففي عالم يحولنا إلى دمى متشابهة، يجب على كل فرد إيجاد طريقه الخاص وشخصيته الخاصة الفريدة، وفهم الحياة وتعلم العيش من خلال التجارب الخاصة لكل إنسان، وإيجاد الشخصية الخاصة يعني في كثير من الأحيان عدم الامتثال لمطالب الأهل، سيما وأن بعض الآباء أشرار يدفعون بأطفالهم دفعًا إلى ممارسة الشر كحمل السلاح والقتل والمشاركة في الحروب والتعصب والتطرف ونبذ الآخر المختلف. وكذلك يختار ديل تورو سياقًا زمنيًا ومكانيًا للقصة يتحدد في إيطاليا خلال الحرب العالمية الثانية، ما يعطي للقصة بعدًا سياسيًا وقدرة لتوجيه النقد اللاذع. وكان ديل تورو قد صرح بأنه صنع الفيلم لنفسه وليس للأطفال، وهو تصريح لن يجعل من أنف ديل تورو يطول ويطول لأنه لم يكذب في ذلك، فالفيلم بقدر ما هو موجه للأطفال بقدر ما يحمل من تفكير وقضايا تمس الكبار. يختار ديل تورو مسارًا مختلفًا لبينوكيو واضعًا لمساته الخاصة وهو ما يظهر من تضمين إسم ديل تورو في عنوان الفيلم Guillermo del Toro’s Pinocchi. إنه بذلك نسخة بينوكيو الخاصة بغييرمو ديل تورو.